اطّلع على ما فيه ، غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة ، ولذلك لم يذركهم (١) ، مع أنّ قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) ـ أيضا ـ مشعر بذلك ، فإنّ الأعمى لا يقرأ الكتاب. والمعنى : ومن كان في هذه الدّنيا أعمى (٢) القلب لا يبصر رشده ، كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النّجاة.
(وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) : منه في الدّنيا ، لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة.
وقيل (٣) : لأنّ الاهتداء بعد لا ينفعه ، والأعمى مستعار من فاقد الحاسّة.
وقيل (٤) : الثّاني للتّفضيل من عمي بقلبه ، كالأجهل والأبله (٥) ، ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب ، فإنّ أفعل التّفضيل تمامه «بمن» فكانت ألفه في حكم المتوسّطة ، كما في «أعمالكم» بخلاف النّعت فإن ألفه واقعة في الطّرف لفظا وحكما ، فكانت معرّضة للإمالة من حيث إنّها تصير ياء في التّثنية ، وقد أمالها حمزة والكسائي وأبو بكر ، وقرأ ورش ، بين بين ، فيهما.
وفي أصول الكافي (٦) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزّاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وليست [تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما] (٧) تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب ، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه ، [قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ]) (٨) (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
وفي عيون الأخبار (٩) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع أهل الأديان والمقالات في التّوحيد كلام للرّضا ـ عليه السّلام ـ مع عمران ، وفيه : وإيّاك وقول الجهّال من أهل العمى والضّلال ، الّذين يزعمون أنّ الله ـ جلّ وتقدّس ـ موجود في الآخرة
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يذكر.
(٢) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٩٣. وفي النسخ : عمى.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) يعني : أنّ العمى وإن كان من العيوب لا يبنى منه أفعل التّفضيل ، لكنّه إذا كان بمعنى فقد الحاسّة أمّا إذا كان المراد عمى القلب ، يكون كالجهل فيبنى منه أفعل التّفضيل.
(٦) الكافي ٢ / ٣٢ ، ح ١.
(٧ و ٨) من المصدر.
(٩) العيون ١ / ١٧٥.