قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) ١٩٨.
«اذكروا» الأولى دليل واجب الذكر عنده ، و «اذكروا» الثانية هي تؤكد الأولى ، مزودة بكيفية الذكر (كَما هَداكُمْ) لذكره ، دون ان تذكروه مع من سواه ، او تذكروه بغير أسمائه الحسنى ، ثم (كَما هَداكُمْ) لما هداكم ، فاذكروه شكرا لما هداكم لكي يزيدكم هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ).
(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) قبل ما هداكم كضلال أول قبل الإيمان ، ام وقبل الإحرام ، كذلك ومن قبل المشعر الحرام ، فقد تنسلك الضلالات الثلاث في سلك (لَمِنَ الضَّالِّينَ) ولا سيما ضلال الكفر إذ كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم السابقة على الإيمان ، الضالة المزرية الهابطة ، التي كانت تطبع تاريخهم كله ، ثم هم يتلفتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي رفعهم اليه الإسلام ، فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها الحالية في كيانهم بلا جدال.
ثم ضلال ثان قبل الإحرام وقبل وقوف عرفات ، فان ذكره في عرفات لم يكن كامل الذكر ، وهو في المشعر الحرام كامله المغربل عما في عرفات ، حيث تغربل فيه كل المعرفيات المستحضرة في عرفات ، فحين يطل الحاج من تلك القمة الشامخة من شعور المعرفة في المشعر الحرام ، يعرف قيمة الإيمان القمة ، ويدركه العجب من انشغال هذه البشرية بما هي فيه من عبث وعنت وشقوة ورذالة وضآلة ضالة ، هذا ويحتمل قويا ان الذكر الثاني مطلقه الواجب ، والأول هو الصلاة ، تلميحا بوجوبها عند المشعر الحرام ، ام على من لم يصلها في عرفات ، ام ولأقل تقدير وجوب فرض الفجر في المشعر الحرام لواجب الوقوف بينه وبين طلوع الشمس.