فالمسلمون كلهم أمة واحدة ، سواسية كأسنان المشط ، وقد كلفوا في حقل الحج ـ التدريبي التجريبي لكلّ الإسلام ـ ان يتجردوا عن كل ما يميزهم من الثياب ، ليلتقوا في زيارة الله إخوانا دون أيّ تميّز ولا تمييز ، فهل هم يتجردون عن ثيابهم ليتخايلوا بالمفاخر والمآثر؟ كلا! بل : (ثُمَّ أَفِيضُوا ... وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من تلك الكبرة الجاهلية الحمقاء ، والرعونة الجهلاء ، واستغفروه من كل ما يمس الحج من مخالفات وخلافات تهجس في النفس فترجسها ، وقد حلقت على كلها : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ).
والسر المعرفي في ذلك الترتيب تجده عند امام العارفين علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين سئل عن الوقوف بالجبل ولم ولم يكن في الحرم؟ قال : لأن الكعبة بيت الله ، والحرم باب الله ، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون ، قيل : يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال : لأنه لمّا أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة ، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى فلما ان قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم اذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة ... (١).
(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ويغفر هناك كل الذنوب في تلكم المواقف الكريمة ، حتى التي بينك وبين عباد الله ، اللهم لا كما يروى (٢) ثم
__________________
(١) المصدر أخرج الطبراني عن عبادة بن صامت قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم عرفة ايها الناس ان الله تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلّا التبعات فيما بينكم ووهب سيئكم لمحسنكم واعطى محسنكم ما سأل ، فادفعوا باسم الله ، فلما كان بجمع قال : ان الله قد غفر لصالحيكم وشفع لصالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده وإبليس وجنوده بالويل والثبور.
(٢) الدر المنثور ١ : ٢٢٩ ـ أخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد الله بن احمد بن عطية قال : سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ...