حق الوحي في الكتاب ما وجدوا إليه سبيلا ، وهو الذي يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ، حيث البشارات الوفيرة في كتابات الوحي ترشد المؤمنين الحقيقين إلى ميزان الحق وقسطه وقسطاسه المطلق القرآن العظيم ، كما يرشد حق الكتاب إلى كل حقّ لأمده.
لذلك (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (٣ : ١١٥).
ذلك! ولكن البغي فيمن بغى من أهل الكتاب ـ بغي الطمع والحرص وبغي الأهواء الطائشة ـ هو الذي يقود أصحابه بأصحابهم إلى المضي في الاختلاف على اصل التصور والمنهج ، والمضي في التفرق واللجاج والعناد ، ما يجعل أهليه أضل وأطغى من الضلّال الذين لا يعرفون شرعة من الحق.
ذلك! ثم (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أيا كانوا : هودا او نصارى او مسلمين (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) هداهم بما في نفوسهم من تجرد وصفاء ووفاء ، وبما في قلوبهم من الرغبة الى الحق (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقد تنتهي هذه التوجيهات التي تستهدف إنشاء تصور إيماني صالح ، بالتوجه إلى المؤمنين الذين كانوا يعانون في واقعهم مشقة الاختلاف والشقاق بينهم وبين أعداءهم الألداد ، فيطمئنهم أن ليس ذلك مزرئة في الإيمان ، بل هو مزرعة لنمو الإيمان.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ