وهنا ضمير الجمع في (ظَنُّوا أَنَّهُمْ) راجعان الى المرسل إليهم الذين أيأسوا الرسول من إيمانهم إذ تسبقهما : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ).
لذلك استيأس الرسل من المكذبين ومن تقدم دعوتهم فيهم «و» الحال انهم أولاء المكذبين (ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) في هذه الرسالات ، أن كذبهم الرسل فيما جاؤا به ، وذلك تكذيب لرسالاتهم ، والتعبير بالظن ـ وهو هنا الحسبان ـ لأنهم لا يملكون أية حجة تؤكد لهم كذبهم ، بل الحجج الصادقة تصدقهم ، فإنما ظن هؤلاء الأوغاد المناكيد كما يظن الدهريون ، ظنا هو أدنى من الوهم إذ لا يملك أية حجة حتى على الوهم ، فضلا عما فوقه أو راجح الإعتقاد.
وعند استيئاس الرسل وذلك الظن الكافر البائس (جاءَهُمْ نَصْرُنا) بخارقة ربانية تثبت حقهم وباطل مناوئيهم (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) رسلا ومصدقين لهم (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) بحق الرسل والرسالات.
وقد تعني (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ) ـ فيما عنت ـ الرسل ، أنهم لطول استيئاسهم عن المرسل إليهم ، ـ كفرا من بعض ونفاقا من آخرين ، وزلزال الإيمان من جمع من المؤمنين ـ (ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) كذبهم كل هؤلاء.
فالكافرون كذبوهم صراحا ، والمنافقون نفاقا ، والمؤمنون ضعفا في الإيمان ، وإنما جاء الظن ليشمل الكل ، مهما كان ظنهم بالنسبة للكافرين يقينا وبالنسبة للمنافقين ظنا قويا ضاربا إلى علم ، وبالنسبة للمزلزلين من المؤمنين ظنا خفيفا طفيفا ، إذ إنهم إن كانوا صادقين في إيمانهم لما زلزلوا.
ذلك ـ كما وان (مَتى نَصْرُ اللهِ) بعد (وَزُلْزِلُوا) قد تؤيد ذلك الظن.