ارحم بعباده ان يكلهم في قصة الايمان الساذج الى طائل العلم وغائلة الذي قد يتأخر او يتعثر ويتبعثر ، وانما يكلهم الى ما هو بمرآهم في الأنفس والآفاق ، مهما كان لمن فكر مزيد الأثر في بالغ الايمان ونابغه.
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٥٩).
هناك في نمرود «الذي» وهنا «او كالذي» أفليس هو المقصود بنفسه في هذا التوجيه فجاء مشبها به ، ومن هو الذي أشبهه حتى يكون هو المقصود؟ والذي مر على قرية هو أحرى ان يقصد لحاضر قصته!؟.
قد تعني «كالذي» هنا تعميما للممثل به الى أضرابه ، كيلا يظن انه الفريد في نوعه ، فيذهب السامع الى اي مذهب من هذا المثال البارع ، وقد تذكر أمثاله في القرآن بصور أخرى في سور أخرى وهذه ك (الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) (٣ : ٢٤٣) (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (٢ : ٧٣)) فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦).
فهنا حجج ثلاث تعرض كأمثال مترتبة ، حجة عقلية وحسية هي في الحجاج الاوّل ، وهي تعم كافة المكلفين ، سواء الذين يؤمنون او لا يؤمنون.
ثم حجة واقعية ملموسة هي أعلى من الأولى ، كالذي مر على قرية ، حيث لمس في نفسه وفي حماره إحياء الموتى ، بعد علمه به كما يجب ، وهي للمؤمنين ومن أرسل إليهم.