فمنه تثبيت أنفسهم على صالح النية حين أنفقوا في سبيل الله ، كيلا (يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) فقد ينفق في سبيل الله ابتغاء مرضات الله ثم يتبعه منا او أذى او رئاء ، فليس ـ إذا ـ مثلهم كجنة ، بل هو (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ).
ومنه تثبيت أنفسهم حين الإنفاق وبعده على صادق الإيمان ، وواقع وعد الله ، فلا تنهبّ بمهبات الأهواء والتخيلات الباطلة القاحلة.
ومنه تثبيتها على ما هي عليه من الطمأنينة ، فلا يتهاجم عليها في ثوارت المحاويج ، ولا يخلد بخلدهم تقصير في جنبهم عن شرعة الله ، (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بعد ما أنفقوا ايمانا دون نفاق ، وبكل تبجيل واحترام ، ودون اي تخجيل واخترام ، إزاحة لفقر الفقراء ماليا ، واضافة لخاطرهم الكسير كثيرا من الحرمة بقول معروف ومغفرة.
وقد تعني «أنفسهم» مثلثها ، تثبيتا من انفس المنفقين والمنفق عليهم ، ومن انفس مجتمع الإنفاق خروجا عن كل تزعزع وتلكع ، وذلك التثبيت المثلث هو نتيجة الانفاقات الصالحة دون من ولا أذى ولا رئاء الناس ، ودونما اية غاية الا مرضات الله ، فكل ذلك متكتل في (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) فان كلا (فِي سَبِيلِ اللهِ).
قلب عامر بتقوى الله ، ندي ببشارة الله ، ينفق ماله «ابتغاء مرضات الله وتثبيتا لأنفسهم» إنفاقا بثقة وإيمان واطمئنان ، «تثبيتا» لهم حاصلا (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) واصلا الى أنفسهم في عاجل الإنفاق وآجله.
وحقيق له ان يمثّل ب (جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ...) حيث المؤمن كله جنة ، وهو دوما «بربوة» يرتفع بابتغاء مرضات الله ولا يترفع ، ويصيبه وابل الرحمة المستزيدة لجنته ، ام ولأقل تقدير (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) درجات من واصل الماء