الآيات الاولى في هذا الشطر تحمل حملة عنيفة مفزعة وتهديدة رعيبة مقرعة على الربا والمرابين ، لا نجدها على أية كبيرة عملية أم وعقيدية ، اللهم إلّا على تولية اعداء الدين وتولّيهم ، فإنها خطر حاسم على كافة النواميس فرديا وجماعيّا ، تتساقط متضائلة عندها الأموال والأنفس والأعراض والعقول والعقائد وكل الحلوم المؤمنة حيث يسيطر عدو الدين على الدين والدينين.
والربا قد تكون من أنحس مصاديق الاكل بالباطل حيث الباطل يقابل الحق ، وهو يعم الأكل بالسعي ، قدر الحاجة كما في الأموال المشتركة ، والأكل قدر السعي كما في الأموال الخاصة ، والأكل دون سعي حيث يكل او يقل ، كما في الانفاقات المستحقة واجبة أو مستحبة ، والأكل دون سعي بلا كلّ أو قل ، وإنما رغبة للساعي وإمضاء من الله كما في تركة المورث امّا شابه.
فكل هذه الأربعة من الأكل هي من الأكل بحق وليس باطلا مهما كان دون سعي ، ولا تعارضه آية النجم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فإنها تثبت أن له سعيه فله أن ينفق من سعيه ما يشاء حسب المقرر في شرعة الحق ، قرضا حسنا أو هبة أو عارية أو صدقة أو نفقة ، فلما حلّ للساعي أن ينفق يحل لغير الساعي أن يقبل الإنفاق ، بل قد يجب حينما يجب الإنفاق أم هو ضرورة معيشية للمنفق عليه.
كما وقد تختص قاعدة السعي بأخذ الأموال دون رضى من أصحابها الخصوص ، أو دون مبرر في الأموال المشتركة العامة ، أو أنها كأبرز الموارد من أكل المال بالحق وكما في آية التجارة عن تراض : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) إذا ف (إِلَّا ما سَعى) في حقل المال ، لا تعني كل الحق في أكل المال ، بل هو أحق الحق ، ورأس الزاوية في الاكل بالحق ، وليست آية السعي تخص المساعي المالية حتى تصرح أو تلمح