عن نطاق العدل ، فهي ضابطة تحلق على كل الأحوال والأعمال لكافة المكلفين.
وقد يكون المعنيان معنييّن ، ثم المحاسبة الأخروية تقيد بغير النيات ، مهما يؤاخذ الناوي بها في الأولى بمختلف المؤاخذات ، كالأمراض وأشباهها ، وكقسم من الختم على القلوب كدرة ككدرتها (١).
وأخيرا نقول : المحاسبة هي أعم من المؤاخذة ، ولا ريب أن حساب تارك الخواطر السيئة يختلف عن حساب المبتلى بها ، سواء في الأخرى والأولى ، فالله يحاسب الآخرين بسيئاتهم أكثر من الأولين ، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ).
فالخواطر الحسنة تحسن الحساب مهما لم يعمل بها ، والخواطر السيئة فيها سوء الحساب مهما لم يعاقب بها ، إذا (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) تعم كل درجات الغفر دون فوضى جزاف ، وإنما هو بحساب ، كما (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعم كل دركات العذاب في غير النيات السيئة ، ولا سيما غير المرتكنة في النفوس.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ٢٨٥.
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٣٧٥ ـ أخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أمية أنها سألت عائشة عن قول الله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ...) فقالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله (ص) فقال : هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمّى والنكبة حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها فيفزع لها ثم يجدها في ضبينه حتى أن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير.
وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) إنّ الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم به.