.................................................................................................
__________________
في المقام ، فقاعدة نفي الضرر لا تنفيه ليثبت الجعل الشرعي كالضمان.
ولكن يمكن دفع هذه المناقشة بأنّ العدم تارة يراد به العدم الواقعي كعدم الوجوب وعدم الحرمة. وأخرى يراد به إنشاء عدمهما ، كأن يقول الشارع «لا يجب أو لا يحرم».
فإن أريد بالعدم المعنى الأوّل لم يرتفع بقاعدة الضرر ، لعدم كونه حكما حتى يرفعه دليل نفي الضرر.
وإن أريد به المعنى الثاني كان مجعولا مشمولا لقاعدة نفي الضرر ، والأعدام بعد تشريع الأحكام تكون مجعولة ولو بالإمضاء ، لأنّ إبقاء الشارع لها مع تشريع الأحكام جعل لها بقاء ، لا إخبار ببقاء الأعدام الواقعية على حالها كما تخيّله بعض. وهذا المقدار من الجعل كاف في نفيها بقاعدة الضرر ، لأنّ إمضاء تلك الأعدام ـ ولو بمثل أصالة عدم الضمان ـ من الإسلام أيضا ، فيشمله قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» أو «في الدين». فعدم ضمان المنافع المستوفاة حكم ضرريّ ينفى بقاعدة الضرر.
والحاصل : أنّ إبقاء عدم ضمانها حكم ضرريّ ينفى بقاعدته.
هذا بناء على كون مفاد قاعدة نفي الضرر نفي نفس الحكم الضرري كما عليه المصنّف قدسسره.
وأمّا بناء على كون مفادها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فالأمر أوضح ، لأنّه يقال : إنّ استيفاء المنافع مجّانا ضرريّ ، أو تفويت منافع العين المملوكة للغير بإمساك العين ضرريّ ، فيرتفع حكمه أعني عدم الضمان ويثبت الضمان.
لا يقال : إنّ المقام يكون من تعارض الضررين ، لأنّ اشتغال ذمّة القابض ضرر أيضا كتضرّر الدافع.
فإنّه يقال : إنّ الضرر ـ وهو النقص ـ لا يرد على الدافع ، لأنّه يدفع بدل المنفعة التي استوفاها ، لا أنّه يتضرّر حتى يندرج في تعارض الضررين ، فإنّ دفع عوض المال الذي دخل في كيسه ليس نقصا في المال ، بل دفع لمال الغير ، كأداء الثمن.
ومنها : قاعدة الاستيفاء ، فإنّ استيفاء مال الغير من دون إذن المالك في استيفائه مجّانا موجب للضمان إجماعا ، وعليه السيرة العقلائيّة التي لم يردع عنها الشارع.
وهذه الوجوه لو نوقش في بعضها ففي البعض الآخر منها كفاية.