ولعلّه (١) لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين ، فهي مقبوضة في يده ،
______________________________________________________
(١) أي : ولعلّ الضمان ، وهذا استدلال للقول المشهور ، والمذكور منه في المتن وجهان :
الوجه الأوّل : قاعدة اليد ، فإنّها كما تجري في الأعيان وتثبت ضمانها ، كذلك تجري في المنافع ، وذلك لأمرين مسلّمين :
أحدهما : أنّ المنافع أموال حقيقة ، لما تقدّم في أوّل بحث البيع من جواز كون الثمن منفعة ، مع أنّه تعتبر ماليّة العوضين ، لوضوح كون البيع مبادلة مال بمال.
ثانيهما : أنّ المناط في ضمان العين ـ وهو قبضها والاستيلاء عليها ـ متحقق في المنافع أيضا ، حيث إنّها مقبوضة بقبض العين. والدليل على صدق «القبض» على المنفعة ما ذكروه في مسألتين :
الأولى : أنّ الإجارة هي «تمليك منفعة بعوض» فيجب على الموجر تسليم المنفعة إلى المستأجر وفاء بالعقد ، ومن المعلوم أنّ قبضها يكون بقبض العين ، فإذا أقبض الموجر داره للمستأجر فقد أقبضه سكناها. ولو لم تكن المنافع قابلة لوقوعها تحت اليد لم يكن مجرّد تسلّم المستأجر للدار استيلاء على سكناها. مع أنّه لا ريب في دخول المنفعة في ضمان المستأجر ، وثبوت الأجرة عليه بنفس تسلّطه على العين. وهذا كاشف عن قابلية المنافع للقبض كالأعيان.
الثانية : أنّهم اعتبروا في بيع السّلم قبض الثمن في مجلس العقد ، وجوّزوا وقوع المنافع المملوكة ثمنا ـ كسكنى الدار وخدمة العبد والجارية ـ كما إذا باع طنّا من الحنطة سلفا وجعل المشتري خدمة الجارية سنة عوضا عنه ، فحكموا بصحته ، وأنّ تسليم الجارية ـ لينتفع البائع بخدمتها ـ تسلّم للثمن حقيقة. وهذا كاشف عن قابليّة المنافع للقبض والوقوع تحت اليد ، ولو لا بالاستقلال بل بتبع الأعيان. ولو اختصّ القبض والاستيلاء بالأعيان الخارجيّة لزم بطلان عقد السّلم في الفرض المزبور ، مع أنّ ظاهرهم صحته بلا ريب.