الكلام على تشخيص القلعة
وما آل إليه أمرها
اعلم أن موقع قلعة حلب في الحالة الحاضرة متوسط من البلد لكنها أقرب إلى الجهة الشرقية كثيرا والشمالية قليلا. وهذا باعتبار سور البلدة ، وأما باعتبار ما خرج عنه فميلها إلى الجهة الجنوبية أكثر ، أي أن عمران البلد في الجهة الشمالية من القلعة يبلغ ضعفي عمرانها في الجهة الجنوبية منها. وهكذا يكون ميلها إلى الجهة الشرقية أي أن العمران في الجهة الغربية يبلغ ضعفي عمران الجهة الشرقية. ثم إن شكل جبل (١) القلعة هرمي قد فرش سفحة بالبلاط (٢) من بعض الجهة الشرقية. ومعظم الجهة الغربية الشمالية. وقمته بسيطة قد دار عليها سور متشعث جدا محيطه ألف ذراع تقريبا فيه عدة أبراج وبدنات متقدمة عليه إلى سفح الجبل لم نذرعها في محيطه وارتقاع الجبل من أرض الخندق إلى أسفل السور الدائر على قمته المذكورة خمسة وسبعون ذراعا تقريبا. وعرض الخندق الدائر على الجبل يبلغ نحو ثلاثين ذراعا وينخفض عن أرض البلدة نحو عشرة أذرع وهو مردوم بالأتربة ولو لا ذلك لبلغ عمقه عشرين ذراعا وزيادة. وهذا الخندق يوجد في جهته التي تلي البلد عدة مغاير متهدمة وفي بعضها سراديب تبعد نهايتها وأظنها هي المغاير التي نحتها الملك الظاهر كما قدمنا ذكره. وقد عهدنا أرض الخندق غديرا عظيما يجتمع من سرابات المحلات المجاورة له وكان ينبعث عن ذلك عفونات تضر بمناخ تلك الجهة. وحكى دارفيو في تذكرته (٣) أن الحكومة في زمانه كانت تطرح في تلك الغدران جثث القتلى فكان يزداد بها مناخ تلك الجهة فسادا. لكن هذا لم نعهده في زماننا ، ولم تزل فيه الغدران المذكورة إلى حدود سنة ١٣٠٠ ه.
__________________
(١) المقصود هنا التل الذي تقوم فوقه القلعة.
(٢) وهي التي نعرفها بالتحصينات المائله المبنية بالحجارة الملساء.
(٣) المقصود هنا «الفارس دارفيو» الذي كتب مذكراته التي ضمت مشاهداته في البلاد التي زارها. عين قنصلا لفرنسا عام ١٦٧٩ وظل في وظيفته هذه حتى عام ١٦٨٦ أي نحو سبع سنوات ، وقد واجه صعوبات ومضايقات كثيرة من الجالية الإفرنسية بحلب.