أجل وان في الأمم الخالية معتبرا متبصّرا ، فانظروا الى فراعنة التاريخ ونماردته حيث لم ينفعهم جمعهم وسلطانهم شيئا ، ولا حمتهم شواهق قصورهم ولا ذخائر كنوزهم ، فهم بعد أحاديث لم تبق منهم باقية إلّا باغية من معاثر ، ثم ومآثرهم الظالمة الطاغية.
٣ (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ١٣٨.
«هذا» القرآن ، وهنا «هذا» البيان (بَيانٌ لِلنَّاسِ) دون خفاء ولا غطاء «بيان» لهم كلهم ، ثم (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) فمهما كان هدى دلالية للناس كلهم ، فليس هدى واقعية إلّا للمتقين ، الذين إذا وقوا ببيان اتقوا وإذا هدوا اهتدوا.
ومن الفارق بين البيان والهدى والموعظة ، ان البيان ليس إلا عن خفاء ، خفاء الجهل بالحق ، او خفاء التجاهل عنه ، ام خفاء التصديق به ، فالبيان أيا كان يفيد إزالة الشبهة ، والهدى بيان لطريق الرشد ، والموعظة بيان لمحاظير طريق الرشد ، فالمتقي إنما يحتاج الى الهدى ـ حيث يتحرى عنها ـ فيتبعها ، ثم إلى الموعظة فيتحرز عما يوعظ به ، وغير المتقي يحتاج الى بيان حتى يجتاح جهله او تجاهله.
فلا اثر للبيان ما لم يكن التقوى ، إلا أن من البيان ما يبعث على التقوى ، لأن غير المتقي جاهل بما يحرضه على التقوى.
فالقرآن بيان للناس ككل ، لمن تبين به : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (١٦ : ٨٩) و (مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) (١٠ : ٥٧) ف (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٤٥ : ٢٠) ، وإذا كان (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) فليكن تفهمه ميسورا لهم كناس ، فالمعتذرون عن فهمه او تفهمه سواء في كونهم من النسناس الخناس ، أكانوا من المؤمنين به المغالين تقصيرا في