وفي الإنفاق تحرّر من أسر المال بأسره ، وانفلات من ربقة الشح ، وإعلاء لحقيقة الأخوة الايمانية على شهوة اللذة الشخصية وتكافل بين الناس يليق بعالم الناس خروجا عن عالم النسناس.
ومن ثم الاستغفار بالأسحار يلقي ظلالا عميقة الندى ، قريبة الهدى ، كما وصيغة الأسحار راسمة ظلال فترتها قبيل الفجر حيث يصفو فيها الجو وتترقرق فيها خواطر النفس ، تلاقيا حفيفا بين روح الإنسان والكائنات ككلّ اتجاها إلى خالق الكون.
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨).
هذه من غرر الآيات الجامعة لبراهين التوحيد ، الجامعة لكل مداليل آيات التوحيد آفاقيا وانفسيا ، يجدر بنا ان نسبر اغوار البحث فيها كما سبرت.
هنا سؤال يطرح نفسه بطبيعة الحال ان كيف يشهد الله لنفسه وطبيعة الشهادة ان تكون لاثبات الدعوى من غير مدعيها عند فقدان اي برهان عليها؟ وإلّا فلكل مدع ان يشهد لنفسه دون حاجة إلى سواه؟!.
هنا ـ بعد التأكد من معنى الشهادة أنها أداؤها عن حضور كامل وهو بالنسبة لله الحضور المحلّق على كل محضر لتلقي الشهادة وإلقاءها قبل خلق المشهود وبعده وبعد فناءه ـ هنا نقول أولا : ان شهادة الله بوحدانيته قد تخص الذين يعتقدون في وجوده ثم هم به مشركون ، وهم معترفون أنه الإله الأصيل وقد اتخذ لنفسه شركاء ، فأفضل من يشهد لوحدانيته هو نفسه المقدسة ، إذ هو الذي يعلم شركاءه لو كانوا ، وهو الذي يتخذهم لو كان متخذا لهم ، فلمّا ينفي العلم بان له شريكا ، وينفي اتخاذه لنفسه شريكا ، فتلك إذا شهادة قاطعة على توحيده : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ