«آدم» هنا وفي سائر القرآن هو الوالد الاوّل من هذا النسل الأخير ، كما هو لائح في سائر القرآن دون ريب حيث جيء باسمه الخاص هذا (٣٥) مرة.
وترى اصطفاءه يلمح انه كان معه أوادم آخرون ، فاصطفاه الله من بينهم رسولا ، فليس ـ إذا ـ هو الوالد الاوّل إذ قد يكون هو من مواليدهم وهذا النسل الانساني متنسل مقسما بينهم؟ وليست قضية اصطفاءه ذلك الهارف الخارف ان هناك كان أوادم آخرون لم يكن هو والدهم ، حيث الاصطفاء المطلق وفي حقل الرسالة كما هنا لا يقتضي المجانسة بين جمع ، بل يعني اصطفاءه من بين سائر الخليقة ليكون حامل لواء الدعوة الربانية بين المكلفين! حيث الرسالة الى العالمين خاصة بالإنس أصالة مهما كانت في الجن أيضا كفروع للرسالة الإنسانية الى قبيلهم قبل اختتام الوحي.
إذا فلا بد في الاصطفاء الرسالي من اجتباء الأصفى بين عامة المكلفين ، حتى يصلح الرسول المصطفى لحمل الرسالة الى العالمين أجمعين.
فالله اصطفاه من بين قرينيه زوجه وإبليس وذريته الابالسة وسائر الجن حيث (الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (١٥ : ٢٧) ومهما كان الاصطفاء بحاجة إلى عديد ، فقد يكفي له اثنان يصطفى أحدهما على الآخر ، فضلا عن آخرين ـ سوى زوجه ـ من قبيل الجن ككل.
وليس اصطفاءه حين خلقه حتى يقال فكيف ذلك الاصطفاء ولما يخلق زوجه؟ وانما كان بعد عصيانه وهبوطه وتوبته وتوبة الله عليه : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٤٠ : ١٢٢) واجتبائه هو اصطفاءه وهو مرحلة تالية لعصيانه فتوبة الله عليه ليتوب وتوبته الى الله وتوبة ثانية من الله عليه قبولا لتوبته ثم هدايته الى ما قبل عصيانه من طهارته ثم يأتي دور اجتبائه واصطفائه (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٣٢٨ في عيون الأخبار في مجلس الرضا (ع) عند المأمون مع أهل الملل والمقالات ـ