وانما هي ايام السلطة الظاهرة والنصر زمنيا وليس روحيا إذ لا روح لغير المؤمنين فليست الدولة الظاهرة للباطل ـ وهي جولة ـ تعزيزا لموقف الباطل وتقويضا لظهر الحق ، فانما هي لمصالح وحكم ربانية يقتضيها دور التكليف ، بما يحصل من تقصيرات لأهل الحق.
(وَلِيَعْلَمَ اللهُ) من العلم : العلامة ، دون العلم : المعرفة ، فالله يعلم بمداولة هذه الأيام علامة النجاح والفلاح على الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء للحق ، كما يعلم علامة السقوط على الظالمين (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، وعند تقلب الأحوال يعرف جواهر الرجال ، وكما عرفت يوم أحد وأيام أمثاله.
والواو عطفت على محذوف معروف من السياق ، ومنه ان هزيمة أهل الحق ـ في الحق ـ ليست إلّا لهزيمتهم عن الحق كما يرام كما في غزوة أحد ، وما إلى هذه من هزائم هي من خلفيات الهزائم عن عزائم الإيمان.
فمداولة (تِلْكَ الْأَيَّامُ) بتعاقب الشدة والرخاء إنها محك لا يخطئ ، وميزان لا يتأرجح ، وليست الشدة أشد من الرخاء ، فكم من نفوس أبيّة تتماسك فيها صابرة مثابرة ، ولكنها تتراخى وتنحل بالرخاء ، والنفس المؤمنة هي الصامدة في الشدة والرخاء على سواء ، محتسبة عند الله عناءها فيهما ، فلا انتصار بدر يزهيهم مرحين ، ولا انهزام أحد يهفيهم قرحين.
(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) اصطفاء ممن علم الله من المؤمنين ، ومقام هذه الشهادة هو الثالث بعد النبيين والصديقين : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤ : ٦٩).
فالصالحون هنا هم المؤمنون المعلمون هناك ، فالشهداء منهم هم المصطفون من بينهم ، فليس الشهيد هو من يشهد الشهادتين ، فكثير هم