ثم ومن سياج الفرض ـ أولا وأخيرا ـ في بيان الفرائض يجعل السهام المقررة مفروضة ، فأولا (نَصِيباً مَفْرُوضاً) في الضابطة السابقة (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ..) وأخيرا (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) في خضمّ السهام المفروضة في نفس آية الوصية ، مما يزيل كل ريبة ودغدغة عن واجب السهام فرضا وهو فوق سائر الواجب في شرعة الله.
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٨).
اولوا القربى المحجوبون عما ترك بالأقربين ، واليتامى والمساكين منهم وسواهم هؤلاء المحاويج مهما كانوا محجوبين حسب الضابطة الأصيلة في حقل الميراث ، ولكنهم لا يحجبون عن واجب العطف من جانب الورثة الأصليين ، كما لم يحرموا من عطف المورث في وصيته بالمعروف.
فللقريب حق القرابة بعد الممات كما في الحياة وإن لم يفرض له فرض ولليتامى والمساكين حق اليتم والمسكنة كما في الحياة وإن لم يفرض لهما فرض ، وقد ينوب عنه فرض العطف من الورثة لهم إذا حضروا القسمة.
أترى واجب الرزق لهؤلاء الثلاث إذا حضروا القسمة منسوخ بآيات المواريث كما قيل (١)؟ ولا تعارض بينهما حتى تنسخ هذه بتلك ، فتلك تحدد مواريث الأقربين ، وهذه تأمر الورثة برزق ذوي القربى واليتامى والمساكين ،
__________________
ـ وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (٤٢ : ١٣) «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» (١٩ : ٣١) ... وكلما ذكرت لفظة الوصية نجدها تحمل فرضا أو محرما كبيرا دونما استثناء.
(١) نور الثقلين ١ : ٤٤٦ عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن الآية قال : نسختها آية الفرائض ، وفي الدر المنثور ٢ : ١٣٣ عن ابن عباس في الآية قال : نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك مما قل منه أو كثر ، ومثله عن سعيد بن المسيب.