فليس كالمحنة محك يبتلى بها ما في الصدور ويمحّص ويصهّر ما في القلوب ، فتنفي عنها الزيف والرئاء ، ويكشفها على حقيقتها بلا طلاء ولا أي خفاء ، وهذا هو حق التصحيح للتصور فلا يبقى فيه غبش ولا خلل ولا أية علل.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٥٥).
المتولون هنا هم الرماة العصاة الذين تركوا مقاعد القتال التي قررها عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم واضرابهم (١) ، لا والمنافقون فإنهم انحازوا قبل التقاء الجمعين ، فهم أولاء الموصوفون في آية مضت وأضرابها ، فلم يكونوا هم من المنافقين المعاندين (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) في معركة نفسية ، فتخلوا في معركة الميدان ، فلذلك (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) إذ لم يكونوا معاندين (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ، يغفر ويحلم ما له موضع صالح ، والمؤمن مهما أخطأ ببعض ما كسب فاستزله الشيطان ، فهو بعد مؤمن ، ليس كافرا ولا منافقا معاندين ، وكما يخاطبون في آيات تالية بخطاب الإيمان.
وهذه ضابطة ثابتة ان كل زلة تخلّف زلة أخرى إلا ان يتاب عنها ، فمكاسب السوء غير المنجبرة بالتوبة تستزل أصحابها في اضرابها ، وبأسوء وأنكى.
ولعلّ من بعض ما كسبوا هنا ما جال في نفوسهم أن رسول الله (صلى
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٤٠٣ في تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في قوله : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) فهو عقبة بن عثمان وعثمان بن سعيد ، وفيه عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : هم اصحاب العقبة.