المجانسة بين الرسول والمرسل إليهم ، فقد تعني طليقة المجانسة ، غير المناحرة لاختلاف الجنس بين الرسل الأصليين والمرسل إليهم ، حيث تكفى المجانسة في الرسل الوسطاء ، جنا في الجن وسواه في سواه ، ثم الرسالة المحورية هي لقبيل الإنس ، و «رسولا منهم» تحمل بعدي البشرية والرسالية ، فهو بشر كما أنتم ، وهو مؤمن فيما أنتم ، فاصطفاه الله من البشر المؤمنين رسولا فيهم ، لا إليهم فقط فانه رسول للعالمين من الجنة والناس ومن سواهم من المكلفين أجمعين.
هنا (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وفي سواها منهم ، وليست الأنفس هنا زائدة غير قاصدة ، فانما تعني زائدا قاصدا وظلّا عميق الإيحاء والتدليل ، أن الصلة بينه وبين المؤمنين هي صلة النفس بالنفس ، واقعة بينه وبين قليل منهم ، وواجبة بين الآخرين أن يحصلوها ، فليست المسألة أنه واحد منهم وكفى ، إنما هي (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهم بالإيمان الصالح يرتقون إلى هذا المرتقى ، ويرتفعون الى هذه الصلة ، فالمنة ـ إذا ـ مضاعفة في إرسال رسول من أنفسهم ، بهذه المواصلة النفسية النفيسة بينهم وبينه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو كان رسولا لا بشرا ولا من المؤمنين لكانت الخيبة في هذه الرسالة ذات بعدين ، حيث المجانسة بين الرسول والمرسل إليهم أصل من اصول الرسالة الرئيسية : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ..) (٦ : ١٣٠) كما أن أمانة الإيمان الأمين أصل وهو أقوى من اصل المجانسة ، ولو كان رسولا منهم لا من أنفسهم لقلت العائدة في هذه الرسالة ، فبفقد كلّ من الأصلين تنقص الرسالة حسبه فضلا عنهما جميعا ، فذلك ثالوث من انتقاص الرسالة أن يكون الرسول مؤمنا مؤمنا غير بشر او بشرا غير مؤمن ام يفقدهما ، ف (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) تجمع الأصلين معا ، انه بشر كما هم ومؤمن كما هم ولكنه اصطفي من بينهم فأوحي إليه : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ) (١٨ : ١١٠) فأصبح (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فالروح الرسالية هي أرواح المؤمنين اجمع.