وإذا كانت التزكية الصادقة محظورة إلّا عند الضرورة ـ وكما يزكي الله عبده ـ فكيف تكون حال التزكية الكاذبة أو المبالغة أو المرائية؟.
ذلك (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) تزكيته ، توفيقا لزكاته كما يسعى لها وتصديقا لها بوحي منه تعالى وكما زكى أولياءه المقربين السابقين ومن نحى منحاهم كلّا على حدّه وصالحه.
ولقد نزلت هذه الآية تنديدة شديدة بهؤلاء الذين يزكون أنفسهم من هود أو نصارى وأضرابهم ، فقد حصروا الجنة في أنفسهم لأنهم أبناء الله وأوداءه! وسائر الناس كأنهم أغارب عن الله وأعداءه ، متجاهلين كافة القيم والموازين لزكاة الأنفس إلا ادّعاءات جوفاء عنصريات التصور ، وكأن الله منعزل الى بعض العناصر من خلقه دون آخرين! (١).
وهم أولاد الأنكاد لم يكونوا يزكون أنفسهم من عند أنفسهم فقط ، بل وكانوا يفترون تزكيتهم على الله أنه هو الذي زكاهم وفضلهم على من سواهم :
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) ٥٠.
وترى ماذا تعني افتراء الكذب على الله وكل افتراء هو في نفسه كذب؟ إنه افتراء ما يعلمون كذبه على الله ، فقد يفترى أمر على الله دونما علم بصدقه أو كذبه فهو افتراء كذب وليس افتراء الكذب إذ لا يعلم كذبه ، وهؤلاء يزكون
__________________
(١). (ومن تزكياتهم لأنفسهم) ما رواه في الدر المنثور ٢ : ١٧٠ عن ابن عباس قال : إن اليهود قالوا ان أبناءنا قد توفوا وهم لنا قربة عند الله وسيشفعون ويزكوننا فقال الله لمحمد (ص) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) الآية» وفيه عنه قال : كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا قال الله إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له ثم أنزل هذه الآية.