النار كما حرقوا أنفسهم يوم الدنيا أن (كَفَرُوا بِآياتِنا).
وترى ما هي «جلودهم» المنضوجة المبدلة جلودا غيرها؟ أهي جلود الأبدان؟ ولا يختص الحرق والنضج بها ، بل وتحرق الأبدان ببواطنها كظواهرها ، فإنها (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (١٠٤ : ٩)! ، والفؤاد المطلع عليه النار هو القلب المتفئد بنار الكفر والجحود!
قد تعني «جلودهم» جلود الأرواح ، فإن «هم» هنا تعني في الحق الأرواح مهما كان في «بدلناهم» الأبدان ، فكما أن للأبدان جلودا كذلك للأرواح وأين جلود من جلود (١).
فمما لا ريب فيه في عذاب الجحيم شموله للأبدان ظاهرة وباطنة فالنضج ـ إذا ـ تعمهما دون اختصاص بجلود الأبدان ، فمثل قوله تعالى (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) تنضج الأمعاء كما تنضج جلود الأبدان.
ثم ما هي (جُلُوداً غَيْرَها)؟ وجلود الأرواح الخاصة بها هي المخصوصة بالعذاب ، دون سائر الجلود المستعارة!.
إنها هيه مستعادة كصورها الأولى بنفس موادها التي حشرت مع
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٧٤ ـ أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : تأخذ النار فتأكل جلودهم حتى تكشطها عن اللحم حتى تفضى النار إلى العظام ويبدلون جلودا غيرها ويذيقهم الله شديد العذاب فذلك دائم لهم أبدا بتكذيبهم رسول الله وكفرهم بآيات الله.
وفيه أخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن حذيفة بن اليمان قال : أسرّ إلي النبي (ص) فقال يا حذيفة إن في جهنم لسباعا من نار وكلابا من نار وكلاليب من نار وسيوفا من نار وأنه تبعث ملائكة يعلقون أهل النار بتلك الكلاليب بحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقونهم إلى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه غضا جديدا.