ذلك التبديل العظيم ، عذاب متواصل الى الأرواح بواسطة النضج المتواصل للأبدان ، جزاء وفاقا (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ، وما ذوق العذاب هنا إلّا للأرواح.
وهنا نرى تراوحا في المعني من «هم» فهي في «جلودهم» الأرواح حيث الأبدان هي جلودها ، وهي في «بدلناهم» الأبدان إذ لا تبدّل الأرواح فإنها لا تنضج مع الأبدان ، ولا تحرق حرقا ماديا.
فالمبدل جلودا غيرها هي جلود الأرواح : الأبدان ، ثم (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) خاصة بالأرواح فإنها هي التي تشعر أليم النضج دون الأبدان.
وقد تلمح له (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) دون «ليعذبوا» فأنس الروح بالبدن الذي عاشته طيلة الحياة ، يجعله ذائق عذاب أنيسه وأليفه كما يذوق الوالد ألم ولده وأكثر منه ذوقا.
فلا يعني ذوق العذاب قلته وكما (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) (٤١ : ٢٧) ـ (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (٢٥ : ١٩) ـ (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٢ : ٢٥) ـ (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٤١ : ٥٠).
ذلك ، وكما (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٣ : ١٨٥) وهو موت البدن بخروجها عنه.
هذا ، ولو نضجت جلودهم ولم تبدل جلودا غيرها لانتهى العذاب الجسماني بموت الجسم بنضجه ، حيث الجسم المنضوج تنفصل عنه الحياة فلا يؤثر حرقه للتالي ذوقا للروح من عذابه ، فتداوم ذوق العذاب قدر الاستحقاق يقتضي حرقة الجلود مستمرا الى الحالة الأولى القابلة للنضج الذي فيه ذوق العذاب.