فكيف تحمل الدية على المعسر ولم يكن القتل إلّا من الموسر ، ولم تكن العاقلة لها مسئولية الحفاظ على مرتكب الجريمة خطأ أو عمدا حتى يؤدب بتأدية الدية.
إذا ف «الدية على العاقلة» لا أصل لها إسلاميا مهما اشتهرت بين الفقهاء ، وهي كما عرفناها خلاف الآية.
وبصيغة أخرى (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) إيجاب للأمرين ولا بد له من موجب عليه ولم يذكر قبل إلّا القاتل فهو ـ إذا ـ الواجب عليه ، ثم الجناية خطأ أو عمدا صادرة منه فليست كفارتها إلّا عليه.
ثم (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لا خلاف أنه على القاتل ولا فارق في نسج الآية بينه وبين (دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ).
والعاقلة لم يصدر عنها قتل فكيف تؤخذ بما لم تفعل (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) و (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله : «لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه (١).
وعلى أية حال لا نجد مبررا من الكتاب والسنة ومن العقل والفطرة يحمل
__________________
ـ أقول : هذه الثانية تقرر الدية على ورثة القاتل إن مات بعد ما قتل ، فلا تعني إلا أن الدية هي من ديونه المستثناة من تركته وهو يعارض الأولى ، مع ما فيها من خلاف الضرورة.
وفي تفسير الفخر الرازي ١٠ : ٢٣٣ روى المغيرة أن امرأة ضربت بطن امرأة أخرى فألقت جنينا ميتا فقضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عاقلة الضاربة بالعرة فقام حمل بن مالك فقال : كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل ومثل ذلك بطل ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا من سجع الجاهلية.
(١) آيات الأحكام للجصاص ٢ : ٢٧٢ ، وفيه وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي رمثة وابنه أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.