ولا شعور تاما ما لم يكن شعار ، بل هو أمر بين أمرين ، ووسط بين الجانبين ، تبيّنا صالحا سليما عن عرض الحياة الدنيا ، وغرضها ومرضها.
أجل «فتبينوا» بصالحة الطرق الشرعية في كل سلب وإيجاب ، دونما اعتماد على احتمال أو ظن ، بل ولا على علم أجرد من سائر التبين.
ذلك وكما (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ..) (٤٩ : ٦) فتبيّن الحق هو الأصل الأصيل في شرعة القرآن في كل شارد ووارد ، وقد ضمن الله لنا كل إراءة آفاقية وأنفسية حتى يتبين لنا الحق (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤١ : ٥٣).
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) ٩٥.
نرى في هذه الحلقة التربوية مواجهة خاصة لحالة خاصة في الحقل الإسلامي ، يعالجها القرآن بتوجيه وجيه وتشويق وتشديق ، وكما ورد في أسباب النزول ، ولكن النص ليس ليختص بزمن دون زمن كما هو الدأب الدائب في القرآن كله فإنه طليق من قيود الزمن الخاص ومن ملابسات البيئة الخاصة ، لأنه هدى للعالمين أجمعين طول الزمان وعرض المكان.
فكما أنه لا يستوي الضارب في سبيل الله ، المتبين وغير المتبين ، كذلك (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ).
وهنا (الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) طليقة بالنسبة لكل جهاد في أية سبيل