أخرى ، أم قرارا في أرض المستكبرين ، بعيدين عنهم مستخفين حتى لا يصل إليهم كيدهم وميدهم.
ثم (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) إمّا سبيلا للفرار طريقا مسلوكة معروفة ، أم طريقة نفسية تحجز عنهم كل دعاية كافرة بقوة الإيمان ثقافية وعقيدية.
والجامع بين الأمرين عدم الاستطاعة للخروج عن نير الاستضعاف العقيدي والعملي على أية حال و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢ : ٢٨٦) وهم ليس في وسعهم الهجرة بأية صورة لأنهم قاصرون.
والاستضعاف يعم العملي إلي العقيدي ، ولكنما الثاني أخف وطأة وعذابا ، و (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) قد يختص بالأولين ، أم هو أعم من الخلود أبديا وسواه.
(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩).
ترى وما هو دور «عسى» الرجاء ، وهم أولاء قاصرون لا يكلّفون حيث لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا؟ ثم الولدان غير المكلفين ـ في الأصل ـ وهم مستضعفون كيف يعفى عنهم وبعساه دون تحتّمه حين لا تكليف عليهم ولا عقاب حيث لم يجر عليهم قلم التكليف؟.
«عسى» هنا تجوز العفو وسواه ، مستأهلة هؤلاء الثلاث ، وهم بصيغة أخرى : (آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩ : ١٠٦).
ذلك لأن هؤلاء المستثنين ليسوا على سواء ، فمنهم من عاش طليق القصور ذاتيا والاستضعاف طارئا بنفس القصور ، فهم المعفو عنهم دونما استثناء.