فهم أولاء ليسوا سواء في العفو عنهم ، وكلمة «عسى» الرجاء تجمعهم ، وحتى الذين قد يعذبون منهم فهم دون السابقين الموعودين بالنار حسب اختلاف مراحل التقصير ، فإن من التقصير ما هو قصير يستأهل العفو ، ومنه غير قصير قد لا يستأهله.
وعلّ «الولدان» هنا هم ـ فقط ـ هؤلاء الناشئة التي بلغت الحلم ولّما تبلغ مبلغ الرشد والرجولة حتى تكافح الاستضعاف ، وقد تكفي (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) سبيلا إلى عدم رشدهم كما الرجال والنساء المردفون بهما في خط القصور.
فمثنّى الضعف الذاتي والطارئ بالاستضعاف جعلهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، وليس الضعف الاوّل من ناحية الصغر وكما في الرجال والنساء ، بل هو ضعف مع بلوغ الحلم وما فوقه من رجولة وأنوثة ، فلا بد لهؤلاء الثلاث من بلوغ مستضعف من ناحيتين : الضعف الذاتي بقصوره رغم بلوغ التكليف ، والضعف الطارئ من قبل المستكبرين.
ولو استطاع هؤلاء حيلة ولا يهتدون سبيلا ، أو اهتدوا سبيلا ولا يستطيعون حيلة ، فهم إذا خارجون عن الاستثناء الجامع بينهما.
ويمضي ذلك الحكم قدما محلّقا على المكلفين طول الزمان وعرض المكان ، متخطيا تلك البيئة المعنية من واجب الهجرة إلى سائر البيئات ، فيلحق كل مسلّم تناله أية فتنة في دينه عقيديا أو عمليا ، فرديا أو جماعيا حيث تفرض عليه الهجرة المستطاعة من أسوء إلى سيئ ومن سيئ إلى حسن وإلى أحسن ، في
__________________
ـ «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ ..» فقال : إنني لغني وإني لذو حيلة فتجهّز يريد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الآية (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ).