نفسه وسواه من المسلمين ، والمؤمن دوما في مثلث من المهاجرة : من هواجس نفسه وتخلّفات من حوله ، ومن جوّ العصيان إلى سواه ، والمهاجرة عن الوطن في سبيل الله ليس إلا كأبرز مصاديقها ، حيث الوطن ولا سيما بالنسبة للمتثاقلين إليه يجذب الإنسان إلى نفسه كما تجذبه نفسه إلى نفسه.
فانما الوطن المتوطّن للمسلّم ما يوطّن فيه إيمانه بكل أبعاده ، ويمكّنه من تحقيق قضايا الإيمان ، فرارا عن رزايا اللّاإيمان ، اللهم إلا المسلم العالم الذي بإمكانه الدعوة الصالحة في بلاد التخلّف والفساد ، دعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالا بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
وهنا ترغيب رغيب للمهاجرة في سبيل الله يجعل المؤمن مهاجرا على أية حال ، دون
اختصاص بالهجرة عن أرض الوطن ، إنما هي مهاجرة البيئات المناحرة للإيمان ، المصطدمة إياه :
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠).
ولأن المهاجرة فيها مخاوف وأخطار قد تمنع المؤمن عن الإقدام عليها لحد قد يعذر نفسه عنها كأنه لا يجد لها حيلة ولا يستطيع سبيلا ، لذلك نجد الله هنا يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى من ضمانات الله تعالى في الآخرة والأولى.
ذلك! شرط أن تعني المهاجرة سبيل الله ، فليست هي هجرة للثراء والبواء والخروج عن العناء ، فانما هي (سَبِيلِ اللهِ) بكل ترح وفرح.
نرى هنا المهاجرة تضمن خير الدنيا والآخرة ، فهنا (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ