ولا يعني ذلك النهي إلّا قطعا لآمال الخائنين أيا كانوا ، أن ليس النبي بالذي يميل الى باطل أو مبطل ، فإنه معصوم بعصمة ربانية سامية علما وعملا.
وهنا نهيان ينهيان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الوقوف بجانب الخائنين المختالين ، يتوسطهما أمر الاستغفار ، وهما ينهيان كل رجاء باطل عن ساحة النبوة القدسية ، ثم وأمر الاستغفار ليشمل غفرانه تعالى هؤلاء الخائنين المختالين إن تابوا الى الله عما افتعلوه.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ١٠٦.
وليس يجب أن يختص استغفاره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما هو عن ذنبه ، إذ لا ذنب له فإنه معصوم بعصمة إلهية ، بل هو استغفار للمؤمنين متخلفين وسواهم ، أم واستغفار عن أن يميل الى هؤلاء الخائنين المختالين أو عن أن يميّلوه استمرارا للعصمة الربانية التي تصده عن كل انحيازة ، وتسد عنه كل عائبة آئبة من قبل الأمة ، وليكون صامدا غير هامد بجنب الله ، حاكما طليقا بأمر الله بما أراه الله ، وكما (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٧ : ١٩) وما ذنبه إلّا كيانه الرسالي ككل كما في آية الفتح (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) حيث الذنب لغويا هو ما يستوخم عقباه ، وقد كانت عقبى هذه الرسالة السامية في الأولى وخيمة لولا أن فتح الله له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك الفتح المبين ، وهي في نفس الوقت عقبى سامية رحيمة في العقبى.
فقد أمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ب (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) فيما أمر أن يتطلب من الله الغفر والستر على النفس عن التميل الى الخائنين ، وقد غفره الله وستره وكما قال بعد (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
فلقد كان في صيانة الله عن كل ميلة الى الخيانة والخائنين مهما بلغ الأمر