رابِعُهُمْ) تعني مناجاتهم مع بعض البعض ، أم هم المتناجون أنفسهم (إِذْ هُمْ نَجْوى) وقد تحتمل هنا المعنيان ، ويتأيد الثاني بالاستثناء (إِلَّا مَنْ أَمَرَ) تعني من المتناجين.
والنجوى هي في نفس الذات محظورة إذ تحزن من بحضرتها (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٥٨ : ١٠) حيث الحق صراح لا يحتاج الى نجوى ، فليست النجوى ـ إذا ـ إلا توطئة شريرة بحق المتناجى عليه ، فلا تصلح إلّا في الحق الذي لا يصلح أن يستبان كالنجوى مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشؤون الحرب أم سائر الشؤون السياسية التي يجب أن تخفى لصالح الجماهير المسلمة.
و (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) فيتناجى فيها كيلا تذاع فتضاع ، كما (كل سر جاوز الإثنين شاع).
إذا فقليل من النجوى محبورة مشكورة ، ثم (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا) والمستثنى هو ذلك القليل ، إذا فهو استثناء منقطع ، حيث انفصاله يقتضي قليلا من ذلك الكثير مع سائر القليل.
ومهما يكن من شيء فالأمان الأمان وعوذا بالله من اللسان في نجواه وسواه وكما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل» (١) و «رحم الله
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٢٢٠ عن أم صالح بنت صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة زوج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قالت قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ... وفيه عن ابن شريح الخزاعي قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وفيه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرني بأمر أعتصم به في الإسلام قال قل آمنت بالله ثم استقم قلت يا رسول الله ـ