فهم أولاء الأنكاد البعاد بطنوا في قلوبهم السمّ ضد المؤمنين وعلى ألسنتهم الدهان لكي ينتفعوا من الجانبين ويأمنوا الضر من الناحيتين.
(فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)
واقعيا لا حول عنه ولا تحويل ، مهما حكم يوم الدنيا شرعيا وبعض الواقع قدر ما لا يزول الابتلاء من البين ، ثم
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)
فالكافر أيّا كان وأينما كان لا سبيل له على المؤمن ، و «لن يجعل» سلب بات لواقع الجعل وشرعته ، شرعيا يوم الدنيا ، وواقعيا في النشآت الثلاث.
فالمؤمنون مزودون بكافة الآيات الربانية آفاقية وأنفسية ، وبكافة الحجج الفطرية والعقلية والكونية والشرعية ، ولا حجة للكافرين عليهم مكافحة ، إلا تسويلات إبليسة لا سبيل لها الى المؤمنين ، ف (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) «من طريق الحجة» (١) ولا أية محجة ومبلجة ، فحجة المؤمنين بما جعل الله بالغة وحجة الكافرين دامغة.
ولأن الله يحكم بينكم يوم القيامة (٢) فليست الحرب السجال بغلب الكافرين على المؤمنين سبيلا لهم عليهم حيث يجبر كل كسر لهم منهم يوم القيامة.
ثم إن ذلك الغلب هو بين محنة لهم ومهنة ، محنة حين لم يقصّروا في
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٢٣٥ ـ أخرج عبد الرزاق والفرياني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن علي (عليه السّلام) أنه قيل له : أرأيت هذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وهم يقاتلون فيظهرون ويقتلون؟ فقال : أدنه أدنه ثم قال (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).