ويؤيد هذا الوجه من الوجوه «أو نلعنهم» دون «نلعنها» و «هم» تعني إياهم أنفسهم ، لا ـ فقط ـ وجوههم ، والتنكر في «وجوها» دليل أن المقصود ليسوا هم كلهم ، وإنما «وجوههم» الوجهاء الرؤوس في حمل مشاعل الضلال والإضلال.
ومن طمسهم ما تأذن الله (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) (٧ : ١٦٧) وهم ملاحقون طول تاريخهم النحس النجس وحتى يقضى عليهم في مرتي إفسادهم العالميين.
وقد يجمع كل هذه المعاني أن الله يزيل تخاطيط هذه الوجوه ومعارفها ، تشبيها بالصحيفة المطموسة التي عميت سطورها وأشكلت حروفها ، طمسا عن معانيها المعنية فتصبح الوجوه كما الأدبار والأدبار كما الوجوه في معاكسة الكيان.
فلا يرد أن هذا الوعيد لم يتحقق على هؤلاء الكافرين من أهل الكتاب إذ نراهم طوال القرون الإسلامية مستمرين في كفرهم ولمّا تطمس وجوههم الظاهرة ردا على أدبارهم!.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٤٨).
آية منقطعة النظير في سلبية الغفران عن الإشراك بأسره وإيجابيته لما دونه من الذنوب من المذنبين ، فهل إن طليق الكفر ـ حتى الإلحاد ـ هو دون الإشراك بالله حتى يحتمل الغفران؟ ومتى لا يغفر الإشراك وهو مغفور في حياة التكليف بأسرها اللهم إلا إيمانا عند رؤية البأس فيها ، اللهم إلّا إذا كان إيمانا صادقا كما في قوم يونس ، والإشراك بالله هنا قد يعنى فقط تألية من دون الله عبادة للأوثان والطواغيت كما في أخرى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً. إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ