منذ بداية تكليفي بمهمة علمية في الجزيرة العربية في عام ١٨٧٨ ، اصطدمت بعقبات أخرتني وبصعوبات أشرت إليها في تقريري إلى سيادة الوزير.
فقد اجهضت المحاولة الأولى للوصول إلى الجوف مع الشيخ محمد طوخي بسبب ثورة الدروز ، والاتفاق الذي عقدته من ثم مع سطام بن شعلان ، شيخ الرولة لم يسفر عن نتيجة بسبب نكث هذا الأخير بوعده. وتكرر الأمر في الاتفاقية التي أبرمتها مع الشيخ علي القريشي.
اخيرا عثرت على الأدلّاء اللازمين لي عند شيخ البصرة ، محمد الخليل ، حيث كانوا في ضيافته. وهم بواقان (١) ورجلان من سكان كاف. واتفقت معهم بالرغم من تحذيرات شيخ البصرة المعترضة والذي بيّن بأنه لا يستطيع أن يضمن بأي شكل تنفيذهم لوعودهم وبأنني أعرض نفسي في أبسط الاحتمالات للسلب والتخلي عني في الصحراء. كنت أستعجل التخلص من سماع هذه النصائح الحكيمة. وغادرت البصرة دون إبطاء في اليوم التالي مع رفاقي الجدد. كان ذلك في ١٤ مايو (أيار) وكانت عنز محطتنا الأولى بعد اجتياز أم الرمان.
عنز ، القرية المؤلفة من ٣٠٠ نسمة والرابضة على تلة صغيرة ، هي آخر بلدة مأهولة في الصحراء. ومن هنا نلفت الانتباه إلى أن عنز تضم سكان نصارى بمجملهم بالرغم من موقعها بصفتها مركزا متقدما ، أي بين الدروز والبدو المسلمين.
هنا التقينا خمسة من العرب يخيّمون خارج الأسوار ويرغبون في الذهاب إما إلى
__________________
(١) البواق هو عربي طرد من قبيلته وحكم عليه بالنفي المؤبد بسبب الغدر أو أي جرم آخر يمس الشرف فلا يعود أحد يثق بكلامه. يمتهن عادة المهن التي لا يمكن الإفصاح عنها ، عند حدود الصحراء ملجأه الدائم. راجع نشرة الجمعية الجغرافية Bulletin de la Societe de Geographie
الفصلين الثالث والرابع ١٨٨٤ ص. ٢٨٩ و ٤٦٨