فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) (٢ : ٢٤٩) ولم يأت في القرآن ولا مرة يتيمية يراد به الحبوب وما أشبه ، مهما يستعمل أحيانا فيها كمصداق أكثري يحتاجه الإنسان وبقرينة قاطعة ك : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ..) (٧٦ : ٨) وهو هنا الخبز وليس كما يرومونه من جفافه.
ذلك كله إضافة إلى أن (طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ليس يختص بالحبوب وأشباهها من الجوافّ ، بل ولا يطعمونها إلّا بطبخ كخبر أو مرق أو ما أشبه ، كطعامنا على سواء ، ولو اختص الحل بالجوافّ لجيء بلفظها الصريح ولما اختص الحل بأهل الكتاب!
وما تفسير طعامهم بالحبوب (١) وأمثالها إلا لإخراج اللحوم قضية اشتراط التذكية وجاه من يفسر طعامهم بذبائحهم ، ولو صرحت روايات باختصاص الطعام هنا بالجافّ منه ـ ولا صراحة ولا ظهور ـ لكان مصيرها
__________________
(١) وهذه معارضة مع العامة المستحلين ذبائح أهل الكتاب وإن لم يسموا ، ففي الدر المنثور ٣ : ٢٦١ معاكسة تفسير الطعام بأنه ذبائح أهل الكتاب كما عن مجاهد وابن عباس وإبراهيم النخعي.
فمثل ما عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن طعام أهل الكتاب وما يحل منه؟ قال : الحبوب ، كما الحبوب في أصلها ، ولفظة الطعام لا تتحمل فقط البقول والحبوب جافة وسواها إنما هي مصاديق لما يحل أكله طردا للمحرم كذبائح أهل الكتاب وما أشبه من المحرم.
ومما يشهد له من أحاديثنا ، عن قتيبة الأعشى قال سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا عنده فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني فتعرض فيها العارضة فتذبح أنأكل ذبيحته؟ فقال (ع) : لا تدخل ثمنها في مالك ولا تأكلها فإنما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم ، فقال له الرجل قال الله تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) فقال (ع) : كان أبي يقول إنما هي الحبوب وأشباهها(البرهان ١ : ٤٤٨).
وعن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر عليهما السلام عن قول الله : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) فقال : الحبوب والبقول ، وعن هشام عنه (ع) قال : العدس والحبوب وأشباه ذلك (نور الثقلين ١ : ٥٩٣) هذه وأضرابها ناظرة إلى معارضة من يفسره بذبائحهم ف «أشباه ذلك» يعني ما يحل أكله في أصله ، دون الجاف فقط حيث البقول رطبة.