فهذه المائدة بين سائر الموائد القرآنية لها ميزات أربع لا توجد في سائرها (١) إلّا في بعض منها في البعض من السور ، ومن جمعيّتها للقرآن كلّه :
أن آيتها الأولى تأمر المؤمنين بالإيفاء بالعقود بصورة مستغرقة تشمل كافة العقود الصالحة للعقد والوفاء ، مذكورة في سائر القرآن وسواها.
وآيتها الأخيرة تحلّق ربانية الملك والقدرة الإلهية على كل شيء : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وبينهما متوسطات الإرشادات والدعوات الربانية الأخيرة التي تتبنّى أخريات اللبنات الخالدة لصرح الإسلام الشاهق السامق ، ما لن تزلزلها زلازل ولا تعصفها عواصف أو تقصفها قواصف.
ومع العلم أنها سميت «المائدة» لآية المائدة ، نعلم أن مائدة الحواريين هنا تنبيهة لنا بمائدة القرآن العظيم ، أنها هي ـ حقا بين كافة الموائد ـ المائدة العائدة بفوائدها الغزيرة الهاطلة الخالدة إلى العالمين كشجرة طيبة (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).
فأين (مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ) ومائدة القرآن العظيم ـ بما فيها سورة المائدة ـ التي هي عيد وأعياد وآية وآيات تحلّق على كافة الموائد الربانية منذ بزوغها إلى يوم الدين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (١)
... إنه لا بد ل (الَّذِينَ آمَنُوا) من إنشاء دولة على ضوء الإيمان بالله ،
__________________
(١). نزولها جملة واحدة و ٢ نزولها خارج مكة والمدينة ٣ كونها ناسخة غير منسوخة ٤ شمولها للقرآن كله بصورة إجمالية ، ولكن الأنعام تشارك الأولى والفاتحة تشارك الأخيرة.