وترى حكمة الابتلاء في تبدل الشرائع كيف لا تستمر إلى يوم الدين؟
لأن للابتلاء صورا عدة ، منها تبدل الشرائع وله حد مّا هو التبدل إلى شريعة كاملة كافلة لكل الحاجات إلى يوم الدين وهي شرعة القرآن العظيم ، ففيها ما في الشرائع وزيادة ، ثم فيها ابتلاءات أخرى من أهمها بلية الغيبة الكبرى ، حيث لا تقل عن بليات تبدل الشرائع بالحجج الرسولية لحاضري الرسل.
فقد ابتليت الأمم الرسالية ـ إضافة إلى مشترك الابتلاء في نفس الرسالة ـ بابتلاءات ثلاث متمايزة في شكلياتها ، متحدة في أصولها ، فقد ابتليت شطرا باختلاف الشرائع ، وردحا بفترة من الرسل ، والأخير هو الابتلاء بالغيبة الكبرى بطول أمدها ، فقد انقضى دور الابتلاء بعديد الشرائع وفترة الرسل فابتليت الأمة الأخيرة بالغيبة الكبرى ، ولا تقل عما قبلها من نوعي الابتلاء ، اللهم إلا من ابتلاء الفترة الرسولية.
ذلك ، مهما كان البعض لهم ابتلاء واحد كأصل الشرعة فيمن لم يعيشوا إلا شرعة واحدة رسولا ورسالة ، أم وثانيا لمن عاشوا أكثر من شرعة رسولا ورسالة ، أم وثالثا فيمن عاشوا إلى ذلك زمن الفترة أو زمن الغيبة الكبرى.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ٢٠.
تذكيرات بأنعم النعم الربانية لبني إسرائيل تلحيقا بذكرى لئيمة من واجهاتهم الكافرة اللعينية نكرانا صارخا للرب تبارك وتعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ..)!.
وهنا نعمتان : القيادة الروحية : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) وأخرى زمنية (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) تكملان بزاوية ثالثة من مثلث النعمة البارعة : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) من وفرة القيادتين بالطائل الزمني لهما مع طائل