الوثنيين ، وهذه الكتابة كتابة تشريعية وأخرى تكوينية شرط المحاولة المستطاعة ، لا تكوينية طليقة وإلا لما احتلت رغم كتابة الله ف (ادْخُلُوا ... وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) خوفة من المحتلين (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) حاسرين عن إيمانكم تشككا في أمر الله وارتداد عنه ، أو وعن بغيتكم المكتوبة لكم ، وكما انقلبوا تائهين في التيه أربعين سنة والآية تحتمل المعنيين ، والارتداد على الأدبار منه ـ وهو أهمه ـ الارتداد عن الدين شكا بعد اليقين ، فتكونوا كالمقهقر الراجع والمتقاعس الناكص.
فكتابة دخول الأرض المقدسة تكوينيا هي مشروطة بتحقيق الكتابة الشرعية ، فلما تخلفوا عن دخولها كما أمروا تخلف عنهم الدخول وهذا هو المعني من البداء في دخولهم (١) هؤلاء ثم القضاء لدخول أبناءهم وذراريهم فإنه من المكتوب (٢) كما (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٢٨ : ٦) وقد عرّفهم موسى من شرط تحقيق هذه الإراءة الربانية : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (٧ : ١٢٩) ـ (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٠٦ عن تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله انه سئل عن قول الله (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قال : «كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لأبنائهم فدخلوها (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)
أقول : الكتابة الممحوة هي مجموعة التشريعية والتكوينية إذ لم يقوموا بشرائطها ثم أثبتها للقائمين بشروطها ، والكتابة هي للأمة الإسرائيلية ولم يكن التحريم إلا لردح من الزمن ثم أحلت ، سواء للذين بقوا من المخاطبين أولا أم غيرهم.
(٢) في سفر تكوين المخلوقات للتورات ١٢ : ٧ ـ أنه لما مر إبراهيم بأرض الكنعانيين ظهر له الرب «وقال لنسلك أعطى هذه الأرض».