كما المصلحون الذين يعارضون الأخطاء القاصرة أو المقصرة في السلطات الشرعية ، ليسوا من الخارجين على الحق المطاع.
فحين يدّعي قائد روحي زمني أنه مشرّع قضية المصالح الوقتية ، قاصرا في دعواه أم مقصرا ، فالمفروض على العلماء الربانيين أن يقوموا بتوجيهه إلى الحق لتكون كلمة الله هي العليا ، مهما كان القائد المرجع الأعلى ، فإن شرعة الله هي أعلى من كل أعلى ، فهي أحرى بالحفاظ عليها ممن يمثلها خاطئا فيها.
فهؤلاء الدعاة في سبيل الله ـ إذا ـ إنما يحاربون في سبيل الله ، وليسوا محاربين الله ، فمن يحاربهم هو الذي يحارب الله ، أم يحارب في سبيل الباطل.
فلا عاذرة للسلطات الإسلامية في قضاءهم على من يعارضهم سنادا إلى آية المحاربة ، إذ ليسوا هم الله ولا رسول الله ، ولا أنهم ـ أيا كانوا إلّا المعصومين ـ ممن يمثّل شرعة الله معصومة لا خطأ فيها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣٥).
إن قضية الإيمان ـ الأولى ـ هي تقوى الله واجتناب محارمه ، ومن ثم تطبيق ما فرض الله ، سلبا قبل إيجاب ، تحرزا عن العقاب قبل ابتغاء الثواب ، فتقوى الله تحلّق على كافة الجنبات السلبية في شرعة الله ، وقد تناسبها الآية السالفة المهددة الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ، فكما من تقوى الله في القمة ترك هذه المحظورات الهامة في شرعة الله ، كذلك منها الحفاظ على حرمات الله ملاحقة للذين يحاربون الله ويسعون في الأرض فسادا ، صدا لثغرات تنشب في أهل الله ، ومنها العفو عن الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم.