تقدير ـ لهذه العناية ، يسقط «الدم» عن إطلاقها ، ولا بد للناسخ من نص أو ظهور ، حيث المهمل يبيّن ولا يبيّن إلّا مهمل الضابطة المترصّد تبيانه وقد بينت ب (دَماً مَسْفُوحاً).
وأخيرا قضية المعني في «حرمت» هي ماضي الحرمة وليست هنا إلا (دَماً مَسْفُوحاً) إضافة إلى تأكد الإنشاء بلسان الإخبار ، وأمضى المضيّ في التحريم هو أقله في أولى آيات التحريم وهي آية الأنعام.
وكل ذلك يتأيد بأن (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) تأمرنا بالوفاء بكل العقود في مثلث الزمان ، ومن ماضيها العقد المعني من (دَماً مَسْفُوحاً) ولزامه الوفاء بالقيد ، اللهم إلّا إذا لحقه نص ينسخه فهو يحل سابق العقد ، تأمل.
إذا فلا إطلاق في «الدم» المحرم حتى يتمسك به نسخا بالمائدة ، فقد انحصر محرم الدم في المسفوح منه ، فالحيوان الذي ليس له دم مسفوح بريا فضلا عن البحري لا يحرم دمه لكونه دما ، إلّا أن يحرم من ناحية أخرى.
والدم المتخلّف في الذبيحة حلّ فهو ـ إذا ـ طاهر حيث النجس لا يحل أكله ، وكذلك ـ بأحرى ـ دم البيضة والدماء الطالعة من شجرة وما أشبه حيث لا تسفح دماءها ، ثم المحرمات المذكورة ليست إلّا في حقل الحيوان.
فالدم غير المسفوح حلّ وهو ـ بأحرى ـ طاهر ، حتى ولو كانت نصوص أو عمومات من الروايات تدل ـ وليست لتدل ـ على عامة التحريم ، حيث المعيار هو نص التحريم المقيد حصرا في آية الأنعام.
ولا فرق بين التخلف في الأجزاء المحللة من الحيوان أو المحرمة حيث المعيار في الحرمة والنجاسة كونه مسفوحا ، ثم المتخلف لا يحل ويطهر إلّا في المأكول لحمه فإن قيد المسفوح وارد في حقل الأنعام ، ثم الروايات العامة والطليقة في نجاسة الدم تشمل دماء الحيوانات ككل (١).
__________________
(١) في الدر المنثور ٣ : ٢٥٦ ـ أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي ـ