في الدين تخلّف عنه في حقل الابتلاء بمختلف الشرائع وهو الهادي والضال في ذلك الحقل تخييرا دون تسيير : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦ : ٩٣) (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٤٢ : ٨).
ذلك ، فليست عدّة الأمم إلّا عدّة لبالغ الابتلاء ، حفاظا صارما بليغا على وحدة الدين بعبء المحاولة الدائبة في التسليم لله ، فهذه الأمم هي في الحق أمة واحدة لرسالة واحدة مهما اختلفت طقوس ظاهرية ومظاهر أحكامية : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢١ : ٩٢) و «... فاتقون» (٢٣ : ٥٢).
ولكن تعدد الشرائع إلى الدين ابتلاء ، كما الدين أصله ابتلاء ، فقد أراد الله مثنّى الابتلاء في حقل الدين استكمالا للبلية :
(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) بلوى مستمرة على مدار الزمن الرسالي (فِي ما آتاكُمْ) كلّا في زمنه ، هل أنتم تصبغون شرعة الله بصبغة الطائفية والقومية والإقليمية والعادة أماهيه؟ كما فعله الكثير من اليهود والنصارى المتعصبين المتصلبين على ما آتاهم الله.
فكما التدين بشرعة من الدين في البداية ابتلاء ، كذلك الانتقال منها إلى شرعة أخرى ناسخة لها ابتلاء ، بل والنقلة أبلى من الابتذاء ولا سيما إلى نبي من غير قومه ، فقد تختصر الحكمة الربانية في عديد الشرايع من الدين وتحتصر في :
(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) فكما يبلو المولى عبده ليختبره في مدى طاعته له بمختلف أوامره ، فقد يأمره أوّلا بأمر يأتمره فيه ، ثم يظل فيه متعودا ، ومن ثم يأمره بأمر ثان علّه إمر أكثر مما كان ، وهو في نفسه إمر حيث يخالف