تعوّده على الأوّل ، فإن ائتمره في كل أوامره عرف تسليمه له دون أن تؤمره عادته وهواه ، وإن جمد على أمره دون نقلة إلى ثان وسواه عرف عدم تسليمه ، وأنه ممن يؤمن ببعض ويكفر بعض ، وأنه متبع هواه دون مولاه.
كذلك الأمر (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ... لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من شرعة سابقة ولاحقة ، فالجامد على السابقة تركا للّاحقة وهما من دين واحد وإله واحد ، إنه ليس متشرعا بالسابق كما اللّاحق ، فإنما هو متبع هواه مهما اتبع من قبل ظاهريا هدى الله ، وهكذا نرى الدنيا بحذافيرها ابتلاء في خيرها وشرها (١).
ثم الأحكام على صنوف عدة ، منها ما تكون مصالحها في أنفسها أمرا أو نهيا دون أي تطبيق كأمر إبراهيم الخليل بذبح إسماعيل ، وأخرى بتطبيق دون مصلحة خارجية أخرى إلّا هو ، وثالثة تتبع مصالح واقعية مقررة من عند الله ، وكلّها حق لا بمعنى أن الله يتبع فيها حقا هو أمر ثالث بعده
__________________
(١). ذلك وعالم التكليف في كل مظاهره تكوينا وتشريعا بلوى وامتحان : «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (٧ : ١٦٨) «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ» (٢١ : ٣٥) «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» (٤٧ : ٣١) «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (٢ : ١٥٥) «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ» (٦ : ١٦٥.
وبصورة جامعة : «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (١٨ : ٧) «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (٦٧ : ٢ «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا ..» (٨٩ : ٧٦)
فقد نعيش ابتلاءات بأشكالها ولكلّ حساب فثواب أو عقاب قدر ما ابتلي ولا يظلمون نقيرا.