وبعد خلقه ، بل الحق هو الذي يقرره بأية صورة من هذه الثلاث ، والثابت منها هو الموافقة للمصالح الواقعية بسيرتها أم وبصورتها دون الأخريين.
وهكذا يكون دور الابتلاء بمختلف الأحكام في مختلف الشرائع : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).
دون ما اشتهر في خطابات ومؤلفات أن هذه الشرائع الخمس كالصفوف الخمس الدراسية تتدرج حسب تدرج القابليات! فإن شرائع الله في أصولها العقيدية وفروعها الأحكامية ليست من العلوم الصلاحية التي تتدرج في صفوفها للدراسين ، فأصولها الثلاثة يكفي فيها ـ فقط ـ عقل التكليف في أية درجة ، ثم الفروع متلقاة بالقبول على أساس الأصول دونما حاجة إلى أية عبقرية عقلية أو علمية ، فأي فرق بين واجب عقيدة التوحيد والمعاد بين شرعة نوح وشرعة الإسلام ، اللهم إلّا أن الله بين أكمل مدارج التوحيد هنا لأنها شرعة المكلفين منذ بزوغها إلى يوم الدين ، ثم الأحكام الفرعية نازلة فيها كما تحتاجها الأمة الاسلامية على مدار زمنها.
ولو أن الحكمة في تعدد الشرائع كما يقولون لما كان لعديدها ومديدها حد تقف عنده ، فأين العقلية الجامدة الخامدة للجاهليين العرب ، والعقلية المتحضرة في القرن الرابع العشر الحاضر ، فهل من المفروض أن تأتينا شرعة جديدة تناسب هذه العقلية الحاضرة.
ثم المكلفون في كل الأدوار الرسالية الخمسة هم درجات في قابلياتهم ، فالمفروض ـ إذا ـ في كل دور شرائع عدة لمختلف صنوف المكلفين دون شرعة واحدة تحكمهم على اختلاف قابلياتهم العقلية والعلمية.
فكما لا تصلح أية دراسة خاصة لمختلف الدارسين على حد سواء ، كذلك شرعة واحدة لمختلف المتشرعين على حد سواء.