وهنا «فاعلموا» إعلام صارخ بحجة بارعة أخيرة للأسماع الصاغية «أنما» حصرا لكيان الرسول في (عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وكل بلاغاته حول الخمر طول العهدين كانت مبيّنة رغم تطلّبات الخليفة عمر «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا» ويكأن بيان الله غير شاف في سائر الآيات المحرمة للخمر!.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)) :
هنا ينفى «جناح» أيا كان عن (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) مضيا ، فليس النص «يطعمون» ـ أيا كان شرط الإيمان وعمل الصالحات أولا ، ثم تقوى بعدهما ومعها إيمان وعمل الصالحات ، ثم تقوى وإحسان ، فما هي صالحات هنا بعد صالحات ، ودرجات ثلاث من التقوى ودرجات ثلاث من الايمان ثم إحسان ـ أخيرا ـ بعد درجات التقوى والإيمان؟.
هنا (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) منهم هؤلاء الذين كانوا يشربون الخمر قبل هذه الآية ثم انتهوا (١) فلا يبقى عليهم جناحه (إِذا مَا
__________________
(١) في الدر المنثور ٣ : ٣٢٠ عن ابن عباس قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا يا رسول الله (ص) فكيف باصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر فنزلت (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ...) وفيه عن البراء بن عازب قال : مات ناس من اصحاب النبي (ص) وهم يشربون الخمر فلما نزل تحريمها قال أناس من اصحاب النبي (ص) كيف باصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فنزلت هذه الآيات ، أقول : لا تعني «لما نزل تحريم الخمر» إلّا نزول آية المائدة بهذه الصراحة والتأكيدات دون نزول اصل التحريم حيث سبقتها فيه مكيات ومدنيات ، ولو كان نزول اصل التحريم لما كان جناح على الذين كانوا يشربونها قبل التحريم حتى يسألوا عنهم وتنزل آية براءتهم!.