هذا ، ثم سائر الضرر ممن ضل ، المسيّر منهم غير الميسّر لهم ، كوزر ضلالهم ، إنه المحتمل على هامش ذلك الضر الميسر لهم ، و «لا يضركم» يجمع الإنشاء إلى الإخبار ، إنشاء بواجب الاستعداد لحد زوال الضرر ، واخبارا بزواله قدر الاستعداد ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
إذا فالضرر المنفي في (لا يَضُرُّكُمْ) مهما كان ضررا دنيويا أو أخرويا فهو ضرر من الضالين أنفسهم كأصيل ، دون ضرر العذاب من الله تقصيرا في دعوتهم إلى الله من أهل الله ، فانه ليس ضررا منهم ، مهما كان ضررا من الله بهم لمكان التقصير في حقهم فتزر وازرة مثل وزرهم ..
فالمحور الأصيل بين محتملات الآية السبع ضررهم بما يختارونه وجاه المؤمنين ، وليست سلبية ذلك الضرر إلّا بإيجابية (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) بعد الإيمان ، وبقدر تلك الإيجابية.
فمن المفروض على الذين آمنوا أن يصنعوا أنفسهم بشروطات الايمان بقدر سلبية الضرر ممن ضل ، فكلما تحقق بعد من (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) تحقق بعد من (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ) في نفس البعد وبقدره ، وهنا يبهر قول الرسول (ص) أمام المنجرفين في تفسير هذه الآية : «أين ذهبتم إنما هي لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم».
وقد تعني (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) للذين آمنوا ـ كأصل ـ ثنائية المسؤولية الوقائية : أن يقي كلّ نفسه لحدّ (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ثم بقي المجاهيل منهم الذين لا يستطيعون أن يقوا هكذا أنفسهم ، وهذه المسؤولية الثانية هي متقدمة على مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ هي متأخرة عن مسئولية التعليم وكما تتقدم في آيتها عليها : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣ : ١٠٤).