وبعد سادس هو في سياق الإنشاء أن لا تشتغلوا بمن ضل تغافلا عن أنفسكم ، فعساكم تنحازون إليهم يسيرا ثم كثيرا بغية تحويلهم عن الضلال وهم يحاولون المعاكسة ، فقد يتغلبون عليكم في صراع الحق والباطل ، فإهلاك النفس في سبيل إنقاذ الغير هو في نفسه ضلال وموت ، وكما نرى عديد الموت والضلال أنهما سيان في القرآن ، فكما الضالون يذكرون (١٧) كذلك الموتى ، لمكان السماوات بين الضلال والموت!.
فكما لا يجوز التعرض للموت لإنجاء الآخرين ، كذلك التعرض للضلال لهدي الآخرين ، فالدعوة إلى الله بين محبورة ومحظورة ، فالمحبورة هي المؤثرة غير المتأثرة ، ـ أم ـ لأقل تقدير ـ لا مؤثرة ولا متأثرة ، والمحظورة هي المتأثرة أو المؤثرة المتأثرة ، فتترك الدعوة في المحظورة حيث المسؤولية الكبرى فيها (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ثم (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) حين تنضرّون بدعوتهم.
ذلك ، وعلى أية حال فلا مساس لهذه الآية بالآيات الآمرة بالدعوة والأمر والنهي فانها لا تعني ما تعنيه هذه الآيات ، على أن الدعوة بمختلف شؤونها الصالحة ليست مما تقبل النسخ اللهم إلّا أن تنسخ شرعة الله ككل ، حيث الدعوة هي لزام الشرعة نشرا وتطبيقا وتحليقا على كافة المكلفين في كافة الشؤون الحيوية : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١٢ : ١٠٨) و (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣ : ١١٠) وكيف تنسخ السبيل الرسولية والرسالية وسند خيرية الأمة الآمرة الناهية.
ثم وهنا سابع حيث تعني «أنفسكم» كلّا نفسه ، ثم ذويه الذين هم كنفسه ، ثم سائر المؤمنين فإنهم إخوة أنفسهم كنفس واحدة ، فواجب الوقاية والحفاظ هنا يعم ذلك المثلث مهما كانت الأضلاع متدرجة ، من نفسك إلى ذويك وإلى سائر المؤمنين.