يعبر عنها بالإذن مهما كان «فتكوّن» بديلة عن «فتكون» بل هو عبارة أخرى ك «فتخلق طيرا بقوتي التي أعطيتك» وما أشبه.
ولو كان المسيح هنا هو الخالق المخوّل والموكل بذلك الخلق لما صح طائل التعبير هكذا ، فإنما العبارة الصالحة الناصحة عنه «وإذ تخلق من الطين طيرا بقوتي».
وهكذا تعني «وتبرئ الأكمه والأبرص باذني» فإشارة الإبراء وإرادته الظاهرة منه ، واذن التكوين منه تعالى ، وكذلك (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) إخراجا عن أجداثهم بإذن السماح التكليف ، وإخراجا عن الموت إلى الحياة بالإذن التكوين ، فالأذن الأول موجه إلى المسيح نفسه والثاني موجه إلى الموتى المخرجين.
ذلك ، وعبارة أخرى عن فعلة المسيح واذن الله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) (٣ : ٤٩).
فإن بإذن الله في خلق الطير ذو قواعد ثلاث : ـ أخلق ـ فأنفخ .. فيكون طيرا ، وكله (بِإِذْنِ اللهِ) مهما اختلف الإذن في «فيكون» عنه في الأولين تكوينا وتشريعا.
وفي تذكير الضمير هناك : (فِيهِ ـ فَيَكُونُ) وتأنيثه هنا (فِيها ـ فَتَكُونُ) لمحة باهرة أن المنفوخ فيه لم يكن إلّا (الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) فقد ذكّر الضمير اعتبارا بالطين وأنث اعتبارا بهيئة الطير ، فلا عاذرة للمتشبثين بمثل هذه الآية في تخيل الولاية التكوينية لغير الله أيا كانوا.
ولأن تكملة الرسالة وتحقيقها كما يريد الله ليست إلّا بالكف عمن ينقصها أو ينقضها فإلى نعمة رابعة :
٤ ـ (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا