«فمن ساوى ربنا بشيء فقد عدل به والعادل به كافر بما تنزلت به محكمات آياته ، ونطقت به شواهد حجج بيناته ، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في نهب كيفها مكيفا ، وفي حواصل روايات همم النفوس محدودا معرفا ، المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج إليها ، ولا قريحة غريزة أضمرها ، ولا تجربة أفادها من موجودات الدهور ، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور» (١).
وترى ما هو دور «ثم» وهي للتراخي؟ علّه أنهم بعد التصديق والاعتراف بخالق السماوات والأرض وجاعل الظلمات والنور ، بعد هذه الطائلة التي تصدقها الفطرة والعقلية الإنسانية وتصدقها الكائنات بأسرها ، هم أولاء بعد كل ذلك (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) المربوبين ... وهذه هي اللمسة الأولى من الحجاج لتوحيد المبدء ثم :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢):
هنا دور لخصوص الإنسان بعد عموم الخلق للخلق كله ، لمسة ثانية تندد بالممترين بحق الحق واليوم الحق.
ذلك الإنسان الذي هو نموذج عن الكون كله ، وكما يروى عن علي (ع): «أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر».
فالذي (جَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) بعد ما خلق السماوات والأرض (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) نقلة عجيبة من عتمة الطين المظلم عن الحياة إلى نور
__________________
ـ «وجزوه بتقدير منتج خواطرهم ، وقدروه على الخلق المختلفة القوى بقرايح عقولهم».
(١). المصدر عن كتاب التوحيد خطبة لعلي (ع) يقول فيها : ....