وترى تنزيل كتاب في قرطاس مستحيل كما تدل عليه «لو»؟ والله على كل شيء قدير!
إنه مستحيل مصلحيا في أبعاد : «أن نازل كتاب الوحي من السماء لمحة إلى أن المنزل هو ساكن السماء وليس به ، وان منزل الوحي هو قلب الرسول وليس حسّه حتى ينزل عليه كتاب في قرطاس ، ثم في تحقيق اقتراحهم هذا مسايرة معهم في باطل حيث هم بعد منكرون.
ذلك! وكما (لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥ : ١٥).
ذلك انما هو من خلفيات نكرانهم البغيض الحضيض ، فليس الذي يجعلهم يعرضون عن آيات ربهم أن البرهان على صدقها قاحل أو ضعيف ، أو غامض لا يعرفه إلّا عباقرة ، أو أنها تختلف فيها أرباب العقول ، إنما هو المكابرة الغليظة البغيضة والعناد الصفيق السحيق.
ثم ومن عاذرتهم كما يهوون أن لم يبعث الله إليهم ملكا يحمل وحيه وهم شاهدوه :
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨) :
(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) يصدقه ونراه يوحي إليه لنا ، أفلم يكن ـ إذا ـ برهانه أمتن وتصديق أمكن؟
والجواب الحاسم أولا (لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) وثانيا (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ..) فما هو الأمر المقضي؟
هل هو قضاء أمر الحياة فلا تكليف ـ إذا ـ فلا نتاج لنزول الملائكة؟ كما (لَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ