(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٢٦):
«وهم» أولاء المفترون على الله الكذب ، المكذبون بآياته ، الذين على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر ، المفترون على القرآن أنه من أساطير الأولين ، هؤلاء حين يستمعون إليك (يَنْهَوْنَ عَنْهُ) من سواهم من المستضعفين وسواهم ، كما وهم أنفسهم «ينأون عنه» ظلمات بعضها فوق بعض» (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) بالمآل (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) إذ يخيّل إليهم أنّهم يهلكون المؤمنين به الصادقين ، فهم ـ رغم أنفهم ـ ليسوا لينأوا عنه بنهيهم أو الضعفاء ، فإنّهم هم أنفسهم في ضلال ، أو أنهم يهلكون القرآن بدعوته وداعيته ، وليس القرآن ليهلك بما هم ينهون عنه وينأون عنه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٩ : ٣٣).
وترى (يَنْهَوْنَ عَنْهُ) يحتمل النهي عن أذاه لتصدق الرواية المختلقة أنها نازلة في أبي طالب رحمه الله حيث كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله (ص) ويتباعد عما جاء به(١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٨ ـ اخرج جماعة عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين ...»وعن القاسم بن مخيمرة في الآية قال مثله .. ولا يصدق به ، وعن عطاء بن دينار في الآية قال مثله ... وينأى عما جاء به من الهدى.
وفيه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال : ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به وينأون عنه يتباعدون عنه ، ومثله عنه من طريق العوفي وعن محمد بن الحنفية وعن مجاهد وعن قتادة.