عبوديته ، فكيف يصدّق من لا يعرف ، وكيف يعبد من لا يصدّق بما لا يعرف؟.
حيث المعرفة المنفيّة هي المنهية المرفوضة ، والمعرفة المثبتة الممكنة للخلق على مراتبهم ، هي مفروضة ، ولا نصيب لنا في معرفته إلّا جانب السلب مع إثبات الأصل أنه : موجود لا كوجوداتنا ، قادر لا كقدراتنا ...
ثم «لقاء الله» هو لقاءه إيّانا ولقاءنا إيّاه في ألوهيته ، و «لقاء الرب» هو اللقاءان في ربوبيته ، ولأن ألوهيته وربوبيته فرقدان لا يتفاصلان ، فنكران كلّ هو كنكران الآخر ، فالناكر لربوبيته ناكر لألوهيته ، كما الناكر لألوهيته هو ـ طبعا وبأولى ـ ناكر لربوبيته.
تقوى الله هنا سبب صالح للقائه تعالى برحمته الخاصة : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢ : ٢٢٣) لقاء في الدارين : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١٨ : ١١).
وآيات لقاء الله ولقاء الرب ـ التي تعني كأصل لقاء يوم الله ويوم الرب ، مهما عنت سائر اللقاء بضمنه ـ كثيرة منبثة في سائر القرآن سيرا أدبيا مزيجا ، ومن أبرزها : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) (٢٩ : ٥).
وليس رجاء ذلك اللقاء إلّا بواقع اللقاء يوم الدنيا في كل حلقاته المستطاعة ، وبين اللقائين عقيديا عموم مطلق ، فالراجي لقاء الله في الأخرى محقّق لقاءه في الأولى ، وليس كل محقق لقاءه في الأولى راجيا لقاءه في الأخرى ، كالذين لا يؤمنون باليوم الآخر من موحدين ومشركين ، فإنما اللقاء الصالح هنا يخلّف رجاء اللقاء قدره هناك.