فمن حظى حظوة لقاءه تعالى ربا في الأولى فقد رجى لقاءه ربا في الأخرى ، ولكن ملاقيه إلها ـ فقط ـ لا ربا كما يحق ، قد لا يرجوا لقاءه هناك ربا وهؤلاء كثير : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٣٠ : ٨) ـ (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٤١ : ٥٤) إنما لقاءه تعالى في الأخرى هو قدر لقاءه في الأولى اللهم إلّا في الثواب فإنه قضية فضل الله.
ف (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) في أية دركة من دركات تكذيبهم ، ولا سيما لقاء ربوبيته يوم الجزاء مهما اعتقدوا في وحدته إلهيا وربوبيا ، فضلا عما أنكروه من ملحدين ومشركين (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) إذ (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) (٧ : ١٨٧) ولكن اين بغتة عامة تحلّق على فريقي الإيمان والكفر ، وبغتة خاصة لمن ينكرونها ، فهي ـ إذا ـ لهم مباغتة مضاعفة.
ذلك فغير المؤمنين ككل يشملهم التنديد المديد في (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) فالمادي ناكر لقاءه نكرانا لكونه ، استبدالا للمادة بالله ، والمشرك ناكر لقاءه كما هو واحد لا شريك له ، كما هما ناكران لوحيه الرسالي وليوم الجزاء ، والكتابي المنحرف عن توحيده أو وحيه أو جزاءه هو ثالث ثلاثة ، فنكران كل لقاء لله وللرب فيما يجب أو يجوز خسران ، وتصديقه نفع وإيمان ، والمحور الأصيل الذي ليس له بديل في واجب اللقاء هو حياة الحساب يوم الحساب.
(قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) تقصيرا في الإعتقاد بها فقصرنا ـ إذا ـ في سائر عقائدنا وأعمالنا ، وقدير جمع ضمير التأنيث ـ إضافة إلى الساعة ـ إلى الدنيا حيث فرطوا فيها بجنب الله ، إذ لم يتزودوا في ساعة الدنيا لساعة لقاء الله برزخا وللأخرى.